لتنزيل الملف اضغط هنا
عيسى القدومي
من أهم المشكلات الرئيسة التي تواجه العمل الخيري في عالمنا العربي والإسلامي النظرة الضيقة لهذا العمل وحصره في استلام أموال الزكاة من المتبرعين وتسليمها للفقراء، وهي نظرة محدودة وضيقة للغاية ، فالكثير منهم ينظرون اليوم إلى مؤسسات العمل الخيري والمتطوعين فيها على أنهم مجموعة من الأفراد كبار السن الذين لديهم وقت فراغ يقومون بشغله بمثل هذه الأعمال الطيبة ، من غير تأهيل ولا تدريب ولا إدارة لتلك الأنشطة.
فدائرة العمل الخيري في العالم العربي في مخيلتهم لا تتعدى كونها نوعاً من >الاستجداء< وهذه النظرة لها انعكاساتها السلبية على المؤسسات الخيرية والعاملين فيها، ولهذا لا بد من تغيير نظرة الناس إلى العمل الخيري باعتباره خدمة تقدمها الهيئات للمتبرعين متحملة مسؤولية وضع التبرعات حيث ينبغي أن توضع، وإقامة المشاريع التي تخدم المجتمعات، وتخفف من معانات المحتاج منهم.
نظرة قاصرة
نظرة المجتمعات العربية للعمل الخيري سببها الرئيس هو وعي المجتمع القاصر لأهمية العمل الخيري والتطوعي، وربطه بالممارسات الإرهابية، والذي انعكس سلبا على العاملين في القطاع الخيري والتطوعي، والنظرة الدونية من بعض فئات المجتمع والتي يلمسها العاملون في القطاع الخيري والإغاثي بشكل واضح .
مقارنة
وبمقارنة سريعة بين الاهتمام في قطاع العمل الخيري في عالمنا العربي والإسلامي وبين قطاع الأعمال الخيرية في الكثير من الدول الكبرى الذي يعد أسرع القطاعات نمواً في اقتصادها وتعمل على دعمه بوصفه شريكاً للقطاع الحكومي والتجاري في عمليات التنمية، فللقطاع الخيري عندهم جامعاته ومراكز بحوثه ودراساته ومستشفياته وشركاته الاستثمارية ومدارسه ليقوم بكبح جماح طغيان القطاع الحكومي وسد ثغراته والحد من جشع وطمع القطاع الخاص التجاري >كعملية توازن<.
وتقدم تلك الدول الخدمات الإشرافية والإرشادية لتحسين فاعلية المؤسسات الخيرية،وتشجيع التحالفات التي تقوم بها تلك المؤسسات للحصول على فرص جديدة لزيادة تمويل مشاريعها وتخفيض مصاريفها، حيث بلغ عدد المنظمات غير الربحية في الولايات المتحدة إلى 1.5 مليون منظمة، ثلثيها منظمات خيرية 48% منها قائمة على أساس ديني، ولديها 90 مليون متطوع في جميع الأعمال الدينية والإغاثية والإنسانية، بواقع 5 ساعات أسبوعياً في التطوع في جميع التخصصات ، حيث بلغ حجم التبرعات في عام 2002م ما يعادل 212 مليار دولار83% منها لأغراض دينية، وهذا غير ميزانيات مجلس الكنائس العالمي.
أما في الكيان اليهودي يوجد أكثر من -35000- منظمة غير ربحية، وهي تفوق منظمات وجمعيات العالم العربي والإسلامي بأسره، وبلغت ميزانية المشروعات التي تدخل في هذا الإطار11مليار دولار في سنة واحدة، ويشكل الدعم الحكومي معظم موارد تلك المنظمات حيث وصل الدعم الحكومي إلى 65%.
العمل الخيري والرؤية المستقبلية
العمل الخيري أصبح يمثل القطاع الثالث إلى جانب قطاع الدولة والقطاع الخاص في القيام ببرامج التنمية بكل جوانبها.. الإنسانية، والاجتماعية، والتعليمية، والصحية وبرامج التربية والتأهيل، وهو قطاع آخذ في التنامي بكل دول العالم، فانتشار المؤسسات الخيرية والتطوعية أصبح من المقاييس التي يقاس بها تقدم المجتمع وتطوره إذ يساهم في بناء التكافل الاجتماعي وتنمية وتفعيل القدرات الكامنة في أفراد المجتمع، وزيادة مساحة التعاون والتراحم والتعاطف بين الناس.
دور متميز
ولا شك أن هناك جمعيات ومؤسسات خيرية في عالمنا العربي والإسلامي تميزت في خدماتها وأنشطتها وفاقت بمصداقيتها وثقة المتبرعين بها مؤسسات خيرية عالمية، فقد تفاعلت مؤسساتنا الإسلامية مع قضايا الأمة وأسهمت إسهامات فاعلة في تخفيف آثار الصراعات والكوارث، ويكفي قراءة بعض التقارير والإحصاءات الصادرة من المؤسسات الإسلامية الخيرية ذات الوجود الفاعل على مستوى المجتمع الدولي، والتي تعكس صورة من صور الدعم الإنساني الذي تقدمه للبشرية جمعاء، فالعمل الخيري بلا شك يجمع الأمة خيريا؛ لأنه يمثل الرباط العقدي والنصرة الواجبة بين المسلمين بواسطة هذه الجمعيات والمؤسسات التي تعمل لإطعام الجائع وكسوة العاري وعلاج المريض وكفالة اليتيم ومتابعة التعليم والارتقاء العلمي.
نجاحات
والمتأمل والدارس لتلك الجمعيات وآلية أعمالها يجد أنها تواكب العصر وتعمل بطرق فاعلة لتخفيف المعاناة وبدأت تحقق نجاحات، بتقديمها دوراً بارزا لخدمة المسلمين، وأبرزت مفاهيم عدة تحكم العمل وتدخله إلى مجال التخصص والتميز مع الحفاظ على معانيه الإسلامية والإنسانية والخيرية، ونجحت في الانفتاح محلياً ودولياً، وطال هذا العمل المسلمين وغيرهم، وتنوعت مجالات العمل لتواكب قضايا أخرى لم تكن مرئية، وأدى ذلك إلى وصول العمل الخيري إلى نوع من الحرفية والأخذ بالجديد وتنظيم الأعمال بشكل علمي عصري، فهذه الإحصاءات الدقيقة تقدم مؤشرا واضحا على استمرار عمل الخير، وتحقيق النجاحات، ولله الحمد والمنة.
فالناس يجب أن تفهم على المدى الطويل أن العمل الخيري هو أحد الأشياء الرئيسة التي تساهم في بناء وتطوير المجتمع، ولذلك فإن تعريف العمل الخيري الذي يجب أن يكون مستقراً في الأذهان هو أنه كل عمل يمكن أن يساهم في خدمة المجتمع بأي شكل من الأشكال وهي المهمة التي يجب أن يضعها قادة العمل الخيري أمام أعينهم جيداً لكي لا يظل العمل الخيري مجموعة من الجهود الفردية المبعثرة هنا وهناك .
وبمراجعة سريعة ما تقوم به المؤسسات التعليمية المختلفة في الغرب بغرسه في الطالب منذ سنوات عمره الأولي وهو الأمر الذي تقوم وسائل الإعلام الغربية المختلفة بعد ذلك بتعزيزه حيث يظهر العمل الخيري علي أنه عمل يشرف أي شخص في المجتمع أن يقوم به حتى لو كان ذلك في أفريقيا أو غيرها من المناطق النائية، ولذلك علينا أن نعطي للعمل الخيري المكانة التي يستحقها في المجتمع ولذلك يجب أن نشجع أبناءنا منذ سنوات عمرهم الأولي على أن يشاركوا بفاعلية في حل المشكلات التي تواجه مجتمعهم .
وسائل وطرق
ولا بد لتغيير تلك النظرة من اتخاذ وسائل عدة من أهمها:
- أن تقوم الحكومات بدور فعال في تنظيم العمل الإغاثي من خلال إنشاء مجلس أعلى للإغاثة يكون مرتبطاً بأعلى سلطة على غرار ما قامت به العديد من الدول ومنها بريطانيا.
- تكثيف جهود الجمعيات الخيرية، بل الدول الإسلامية ومؤسساتها الحكومية والأهلية في التصدي والرد على المغرضين والمتربصين بالعمل الخيري الإسلامي.
- تدريب العاملين في الجهات الخيرية على أسس الإدارة وعلى المهارات المتخصصة الأخرى التي يتعين معرفتها لتطوير العمل والارتقاء بالعاملين وإكسابهم مهارات وخبرات تحسن أدائهم وترفع المستوى العام للجهات التي يعملون فيها.
- تحديد طموحات العمل الخيري من حيث واقع الخدمات الذي تقدم ومدى تلبيتها لحاجة مجتمعاتنا، ودراسة الاحتياجات والأولويات بدقة وعمق، وتقديم استراتيجيات واضحة والعمل على تحقيق أهدافها، والتعامل على مستوى الأحداث في ظل المستجدات على أشكالها.
- إيجاد مراكز المعلومات للعمل الخيري ورعايتها، وتوفير قنوات للتفاهم والحوار والرد على كل افتراء.
- الحماية القانونية للعمل الخيري، وإيجاد قسم قانوني في المؤسسات الخيرية يتابع ويرشد لتجنب الإشكالات الدولية والاتهامات المعلبة، والاستفادة من قوانين المؤسسات والمنظمات الإنسانية.
- العمل على وجود مجلس يضم الجمعيات الخيرية الإسلامية، لتكثيف التواصل بينها لمعرفة آخر المستجدات وما يحاك على الجمعيات الخيرية والعمل التطوعي.
- تشجيع الكوادر العربية والإسلامية والوطنية للانخراط بالعمل في العناية الفائقة في اختيار المسؤولين للعمل في الجمعيات الخيرية بما يشكل إضافة وليس انتقاصا، مع تحقيق الاستفادة القصوى من العناصر المحلية.
- العمل على تعميم التجارب الناجحة في الميدان الخيري على الجهات والأفراد المعنيين، وفي الوقت نفسه ينبغي أن تسجل كل الانتهاكات التي يتعرض لها العمل الخيري، وأن تُنشر على نطاق واسع؛ لأن في ذلك حماية للمستقبل أيضا.
- والعمل على توفير الحصانة لرموز العمل الخيري، وإيجاد ملحقيه خيرية في السفارات الخارجية.
- السعي لتوسيع برامج المشاريع الخيرية، و تفعيل الحملات الإعلامية لخدمة العمل الخيري، والتفاعل مع الفضائيات والوسائل الإعلامية لرد الشبهات والدفاع عن الإنجازات الخيرية، فللإعلام دور أساس ورسالة سامية في تفعيل العمل الخيري وإبراز أهميته.
فالنظرة الحالية للعمل الخيري صورة مخجلة آن لها الآن أن تتغير، فالجانب الخيري في الإسلام وصل من حيث الموارد المالية وتلبية احتياجات حقوق الإنسان إلى أن يكون هو القطاع الأول من قطاعات التنمية الرئيسية الثلاثة للدولة -القطاع الحكومي والقطاع التجاري والقطاع الخيري-، وأوقاف المسلمين عبر التاريخ شاهدة على ذلك والتي تعدت حقوق الإنسان لتصل إلى أوقاف خصصت لإيواء وإطعام الحيوانات، وكانت تلك الأوقاف بإيراداتها الوفيرة الداعم الأول للحفاظ على أرض المسلمين وتجهيز الجيوش، والصرف على الثغور، ورعاية المحتاجين والمنكوبين ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق