لتنزيل الملف اضغط هنا
تعتبر الرعاية الاجتماعية بمثابة تلك النشاطات التي تقوم بها الدولة أو منظمات غير حكومية لتأدية خدمات لمواطنين يحتاجون إليها, وتتميز الرعاية الاجتماعية الحكومية بالذات بأنها تؤدى في ظل سياسة قومية وخطة عامة بغرض توفير خدمات أساسية للمواطنين كافة كالتزام من جانب الدول إزاء مواطنيها.
ويمكن القول : أن الرعاية الاجتماعية إحدى النظم الاجتماعية التي نشأت مع المجتمع الإنساني وتطورت بتطوره , وهي تؤدي وظائف لاغنى عنها لحياة الناس في المجتمع شأنها في ذلك شأن النظم الاجتماعية الأخرى , وهي في نفس الوقت ترتبط مع سائر النظم بشبكة من العلاقات التي تشكل معالم البناء الاجتماعي .
ومنذ ظهور الحضارات على وجه الأرض ظهرت أشكال من الرعاية الاجتماعية ارتبطت بنوعية هذه الحضارة وأسلوب الحياة فيها , كما ازداد تطور الرعاية الاجتماعية بظهور الأديان السماوية ويعزي جلبرت وسبكت نشوء الرعاية الاجتماعية تاريخيا إلى أن الأنظمة الاجتماعية وبصفة أساسية الأسرة الدين كانت تقوم بإمداد العون كوظيفة ثانوية لها.
ولما كان الدين الإسلامي خاتم الأديان في خط التطور الذي جاءت به الديانات السماوية لتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس لذلك قام على تأكيد قواعد العدالة والتعاون ولإخاء والمساواة بين الناس ومصدرا لتهذيب السلوك وتقويم الأخلاق وتحقيق خيريه المعادلة , وإقامة قواعد الحق والعدل في محيط الجماعة ومقاومه الفساد والفوضى والربط بين قلوب أفراد المجتمع الواحد برباط المحبة والتراحم والبر والتعاون والاحترام المتبادل , وإلى هذا المعنى يشير الرسول علية الصلاة والسلام حيث يقول : " المؤمن ألف مألف ولاخير فيمن لايؤلف,وخير الناس انفعهم للناس " .
لذلك كان التعامل الإنساني في الإسلام يقوم على الأخوة والحب الأكيد والاحترام المتبادل دون النظر الى فوارق اللون أو الجنس أو اللغة أو الحدود الجغرافية .
ولقد أقام الإسلام المجتمع الإسلامي على مجموعة من المقومات جعلت الرعاية الاجتماعية تطبيقا فعليا لكل معطيات الدين الإسلامي , ويمكن أن نشير باختصار إلى هذه المقومات حتى يتبين لنا الارتباط بين الرعاية الاجتماعية والدين الإسلامي وأثر ذلك على المجتمع الإسلامي :
الأخلاق والقيم العليا :
وهي في الإسلام تنبثق من العقيدة فلا تميلها المصلحة ولا تسيرها المنفعة , فالإسلام دعا إلى الصدق والبر والعدل وأداء الواجب والحلم والحياء ورعاية الحوار وصدق اللسان وكظم الغيظ وعمل المعروف وضيافة الفقراء وإغاثة الملهوف وعيادة المريض والتصدق على المحتاجين....إلخ .
ومن النصوص الجامعة للقواعد الأخلاقية قول الله تعالى : " ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من ءامن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وءاتي المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وءاتي الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساة والضراء وحين البأس أولئك الذين صدثوا وأولئك هم المتّقون " } البقرة : 117 { . وقول الله تعالى : " لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذالك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجراً عظيما " } النساء :114 { .
الأنظمة التي تنظم علاقات الأفراد :
وتشمل الأنظمة التجارية والاقتصادية والمعاملات وأنظمة الأسرة والقضاء والوصايا والميراث والنفقات وأنظمة للحكم والسياسة وغيرها .
تنفيذ هذه الأنظمة ومباشرة تنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع الإسلامي :
قال تعالى : " فلا وربك لايؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لايجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليماً " } النساء : 65 { .
العبادات والأعراف السلبية التي لاتتناقض مع العقيدة والتعايم الإسلامية .
أبعاد الرعاية الاجتماعية في الإسلام
أولا : تنبع هذه الرعاية من تعاليم الدين الإسلامي والتي تقوم على القراَن والسنة وبالتالي فهي تقوم على مجموعة من التشريعات نذكر منها :
تشريع المساعدة : وهو يشمل المدين والغارم واليتامى والقاتل الخطأ والمنقطع في بلد غير بلدة يسمى ابن السبيل .
تشريع الجوار : قال تعالى : " واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم " } النساء : 36 { .
تشريع الماعون : "فويل للمصلين ﬞ الذين هم عن صلاتهم ساهون ﬞ الذين هم يراَءون ﬞ ويمنعون الماعون " } الماعون : 4 – 7 { .
تشريع المشاركة : وذلك عندما تحين المواسم الزراعية , قال تعالى : " كلوا من ثمرة إذا أثمر واتوا حقه يوم حصاده ولاتسرفوا إنه لايحب المسرفين " } الأنعام : 141 { .
تشريع الضيافة : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" قالو : ما جائزتة يارسول الله ؟ قال "يومه وليلته والضيافة ثلاثة أيام فيما كان وراء ذلك فهو صدقة" . وفي رواية لمسلم : " لايحل لمسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه" قالو : يارسول الله كيف يؤثمه؟ قال "يقيم عنده ولاشئ له يقريه به " رواه بخاري ومسلم.
تشريع الإعفاف : " وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم " } النور : 23 { .
تشريعات الإسعاف في حالات الجوع والعطش والمنهكة : " أي رجل مات ضياعا بين أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله" .
تشريعات الطوارئ : " انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله " } التوبة : 41 { , كما قال الرسول الكريم علية الصلاة والسلام : "من فرّج عن مؤمن كربه من كرب الدنيا فرّج الله عنه كربه من كرب يوم القيامة " رواه مسلم .
تشريعات الإعانات العائلية : كمساعدات الزواج وعلاوات الأولاد . فقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أتاه في قسمة يومه فأعطى الأهل حظين وأعطى الأعزب حظاً واحدا , وكان عمر رضي الله عنه يفرض لكل مولود عطاءً يزاد إلى عطاء أبيه ( مائه درهم ) يزاد كلما نما الولد .
ثانياً : التشريعات المالية اللازمة لتنفيذ الرعاية الاجتماعية :
تشريع الزكاة : وهي تؤخذ بنسبة محدودة من النقدين ( الذهب والفضة ) وعروض التجارة والزروع والثمار وكل مايستنبت من الأرض , وتصرف لفئات معينة على أنها فريضة من الله تؤخذ منهم ويحاربون عليها إذا امتنعوا عن أدائها , قال تعالى : " خذ من اموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها " } التوبة :103 { .
والأصل أن الدولة هي التي تجبي الزكاة وتوصلها إلى المستحقين ولايجوز صرفها لغير أهل الاستحقاق وللدولة أن تنظم جباتها وتوزيعها بما يكفل إيصالها إلى الفقراء وسائر المستحقين , الزكاة ضمان اجتماعي عام للفقراء .
فعلى مستوى الدولة يمثل الضمان الاجتماعي الزكاة , التي هي الركن الثالث في الإسلام وتقرن دائما بالصلاة , وهي تصرف لكل فرد يعيش في المجتمع الإسلامي أيا كانت ديانته وأيا كانت جنسيته حد الكفاية , لاحد العفاف , بحيث إذا لم تسعفه ظروفه الخاصة كمرض أو شيخوخة أو تعطل عن العمل من تحقيق هذا المستوى اللائق للمعيشة والذي يختلف باختلاف ظروف الزمان والمكان تكفلت بذلك الدولة عن طريق مؤسسة الزكاة .
إن هذه الزكاة لم تكن مجرد مؤونة وقتية لسد حاجة عاجلة للفقير وتخفيف شئ من بؤسة , ثم تركه بعد ذلك لأنياب الفقر والفاقة , بل كان هدفها القضاء على الفقر وإعفاء الفقراء إعفاء دائماً يستأصل شأفة العوز من حياتهم , ويقدرهم على أن ينهضوا وحدهم بعبء المعيشة , وذلك لأنها فريضة دورية دائمة الموارد ومهمتها أن تيسر للفقير قواما من العيش لا لقيمات أو دريهمات .
ولم يقف دور مؤسسة الزكاة على مجرد سد حاجة الفقير العاجز بل إعطاء فرصة العلم للقادر عليه , فكثيرا ماأعطي الفقير مايمكن أن تسميه برأس مال ليبدأ تجارة فينميها أو يشتر آلات لصناعة يعرفها .
وهنا يجب الإشارة أن الزكاة فرضت كأساس ضروري لمعالجة خطر التمزق كأقل مايجب أن يوجد في صندوق الدولة للرعاية الاجتماعية الأولية وبذلك لم يغط بالزكاة كل صنوف الرعاية وكل ضروب الحاجة في سبيل تقوية الأمة معنوياً ومادياً , ووكل إلى الإحسان بعدها أن يتكفل بما زاد عن هذا القدر الضروري في سبيل المحافظة على كيان المجتمع وبقائه عزيز الجانب .
لذلك تعتبر الزكاة من الموارد المستمرة والدائمة لدعم الرعاية الاجتماعية طالما في المجتمع أفراد يعملون وينتجون ويتبقى في حوضتهم حد النصاب .
تشريع الوقف : يقوم هذا التشريع تنفيذا لقول الرسول الكريم , ففي حديث عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن ادم انقطع عن عملة إلا ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " رواه مسلم .
لذلك أصبحت في المجتمعات الإسلامية العديد من المؤسسات وقدمت الكثير من أشكال الرعاية الاجتماعية التي أوقفت عليها الأوقاف التي كانت تدر عليها الموارد المالية بصفة مستمرة , لذلك ازدهرت الأوقاف الإسلامية في كل مجتمع إسلامي حيث أوقفت هذه المؤسسات للقيان بالخدمات الصحية والتعليمية وسد حاجة العاجزين عن الكسب ومن يقصر دخلهم عن العمل عن حاجاتهم الواقعية , وتعريض الذين ضحوا في سبيل المصلحة العامة والدفاع عن الأمة .
تشريع النفقة : حيث يقول الله تعالى : " لينفق ذو سعه " } الطلاق : 7 { والنفقة فرض على المسلم القادر لصالح المحتاجين من ذوي قرباه لتوفير الاحتياجات الضرورية لهم.
تشريع الوصية : حيث يقول الله تعالى : " كتب عليكم إ1ا حضر ـحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين " } البقرة : 180 { .
تشريع الغنائم : حيث يقول الله تعالى : " واعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خُمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل " } الأنفال : 41 { .
تشريع الرّكاز : والركاز هم كل ماعُثر عليه في باطن الأرض جامداً كان أم مائعاً كالبترول...إلخ . وفي الركاز الخُمس .
تشريع النذور : حيث يقول الله تعالى : "وليوفوا نذورهم " } الحج : 29 { .
تشريع الكفارات عن الذنوب والأيمان والظهار ومخالفات الحج والصوم : قال تعالى : "إنا أعطيناك الكوثر ﬞ فصل لربك وانحر " } الكوثر : 1 , 2 { .
تشريع الأضاحي :حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : "ياأيها الناس على أهل كل بيت في كل عام أضحية " .
تشريع صدقة الفطر : حيث فرض الرسول عليه الصلاه والسلام زكاة الفطر في رمضان على كل مسلم .
تشريعات الخزانة العامة : بالنسبة لمواردها العامة المتعددة في الزكاة وخُمس غنائم وركائز خراج الأرض وتركة من الإدارات له .
تشريع الكفاية : إن الله فرض على أغنياء المسلمين من أموالهم بقدر الذي يسع فقراءهم , ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا بما يضع أغنياءهم , ألا وأن الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذبهم عذاباً أليماً .
ثالثاً : مؤسسات الرعاية الاجتماعية في الإسلام :
من الخصائص التي تتميز بها الرعاية الاجتماعية في الإسلام أنها تقوم في كثير من أوجه نشاطتها على الجهود التطوعية للأفراد , وكذلك على تفنيد الكثير من هذه الأنشطة من خلال الجمعيات والمؤسسات الأهلية والحكومية التي تجعل غايتها وهدفها مساعدة الناس وتخفيف الويلات والمصائب عنهم . وإغاثتهم وإزالة سرجهم , أو تعليمهم وتثقيفهم , أو إنشاء المستشفيات أو المستوصفات الطبية لهم , أو توفير أسباب الراحة واللهو البرئ والرياضة , أو تحقيق غايات الخير و البر والرحمة بالضعفاء أو الشيوخ أو الأرامل والمطلقات أو رعاية السجناء , وهذه الجمعيات والمؤسسات تعتبر من أهم مايعمل على تعاون المجتمع وتضامنه وتكامله , حيث يقول الله تعالى : "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا الإثم والعدوان " } المائدة : 2 { .
لذلك زخرت المدن الإسلامية بالعديد من المؤسسات ذات الصفة الاجتماعية البحتة – كالحمامات والأسبلة والبيمارستانات – ومنها ماكان ذا صفة تجارية أو دينية ولكنه احتوى نشاطاً اجتماعياً ملحوظاً وأدى رسالة ذات صيغة تجارية واضحة , كالفنادق والوكالات والجوامع والمدارس ومكاتب الأيتام وغيرها ويبرز الطابع الاجتماعي لهذا النوع الأخير في أنه استهدف التقرب إلى الله تعالى بفعل الخير سواء بالعناية باليتيم والضعيف أو بالمسافر والتاجر أو بطالب العلم والمرض...إلخ , ولعل الظاهرة الواضحة في التاريخ الإسلامي هي أن هذه المؤسسات الاجتماعية استطاعت البقاء والاستمرار طويلاً دون أن تتوقف عن أداء رسالتها عقب وفاة مؤسسيها ذلك أنه من الملاحظ في كثير من حلقات التاريخ وعديد من بلاد العالم توقف المؤسسات الخيرية عن أداء رسالتها بعد فترة من الزمن بسبب وفاة مؤسسيها ونصب مواردها وعدم توفر الإمكانات المادية التي تمكنها من الاستمرار في أداء الرسالة , أما في ظل الحضارة الإسلامية فإنه قبل أن تصادفنا هذه الظاهرة وذلك بفضل نظام الأوقاف الذي ازدهر مع ازدهار هذه الحضارة .
ذلك أن مؤسسي المنشأة - حاكماً كان أو ثرياً من الخيرين – كان يوقف على منشأته - غالباً – وقفاً يدر عليها مورداً ثابتاً يضمن لها البقاء ويكفل لها أداء رسالتها دون حاجة إلى طلب المعونة بين حين و آخر بما يحققه من خلال دخل ثابت منتظم تستعين به المؤسسة على قيامها بدورها بطريقة منظمة ومستمرة .
مما يدل على أن الرعاية الاجتماعية في الإسلام تمتعت برعاية مؤسسة خلال التاريخ الإسلامي وكانت هذه المؤسسات تؤدي دورها بطريقة مستمرة ومنتظمة .
رابعاً : نوعية المستفيدين من الرعاية الاجتماعية في الإسلام :
تتصف الرعاية الاجتماعية في الإسلام ب،ها رعاية شاكلة فهي لاتقتصر على رعاية الإنسان بل تمتد إلى رعاية الحيوان بل تمتد إلى النبات .
حيث نرى أن الإنسان في كافة حالاته تقدر له الرعاية في حالة قوته و حالة ضعفه , في حالة طفولته وشيخوخته , وفي حالة فتوته وشبابه سواء كان ذكراً أو أنثى , طفلاً أو رجلاً مهما كان جنسه أو نوعه أو دينه أو لونه مع مراعاة وقوف الرعاية الاجتماعية بشكل واضح مع الفئات الأكثر احتياجاً مثل الفقراء والمساكين والمرضى والمكفوفين والمقعدين والشيوخ والمشردين واللقطاء واليتامى والأسرى .
كذلك يدخل فئة المستفيدين من الرعاية الاجتماعية في الإسلام المدين والقاتل خطأ وابن السبيل , والجار القريب , والضيف , علاوة على الأفراد الذين يتعرضون للكوارث والنكبات , وهناك العديد من الحالات التي سوف نذكرها بالتفصيل عند الحديث عن مجالات الرعاية الاجتماعية في الإسلام .
علاوة على ذلك شملت الرعاية الاجتماعية في الإسلام رعاية الحيوان وطلب الرفق به والتوصية بحسن معاملته, حيث دعت الأحاديث الشريفة إلى ذلك وتم تطبيق هذه الرعاية, فهذا عمر بن الخطاب يداوي إبل الصدقة ولما قال له رجل من القوم " يغفر الله لك ياأمير المؤمنين , فهلا تأمر عبداً من عبيد الصدقة فيكفيك ؟" قال عمر : وأي عبد هو أعبد مني" , إنه من ولي أمر المسلمين يجب عليه لهم مايجب على العبد لسيده في التضمية وأداء الأمانة .
وقد أوقفت لرعاية الحيوان الأوقاف مثل توفير المياه لينتفع الدواب من المارين والمترددين على الأسبلة من الاستفادة منه وغيرها من الأوقاف التي أوقفت على الحيوانات. ومن ذلك نرى أن الرعاية الاجتماعية في الإسلام هي رعاية شاملة لكل الأحياء خاصة الإنسان في كل حالاته والحيوانات والنبات .
خامساً : دور الجهود الأهلية والحكومية في تقديم الرعاية الاجتماعية :
تقوم الرعاية الاجتماعية في الإسلام من خلال الجهود الأهلية وكذلك الجهود الحكومية حيث نرى أن في القراَن الكريم والسنة المطهرة يدعو الله الناس إلى المسارعة في الخيرات , والأصل في ذلك قول الله تعالى : "ليس البر أن تولوا وجوهكم قِبل المشرق والمغرب ولكن البر من اَمن بالله واليوم الأَخر والملائكة والكتاب والنبيين واَتى المال على حُبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب " > البقرة : 177 { . كما تقوم الدولة بتقديم الرعاية الاجتماعية من خلال جمع الأموال المفروضة على المسلمين "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم " } التوبة : 103 { . والدولة هي التي تتولى جمع الزكاة وإنفاقها على مستحقيها علاوة على إقامة المؤسسات الاجتماعية لرعاية بعض أفرادها الذين لايستطيعون العمل أو أعوزتهم الظروف القاسية إلى رعاية المجتمع لهم مثل رعاية الصغار واليتامى واللقطاء والمطلقات والمشردين والعجزة وغيرهم ممن سوف يتضح في مجالات الرعاية الاجتماعية .
سادساً : التطوع والرعاية الاجتماعية في الإسلام :
يعتبر التطوع للمشاركة في أوجه مجالات الرعاية الاجتماعية في الإسلام بين الخصائص المميزة لهذه الرعاية حيث يحض الإسلام على التطوع حيث يقول الله تعالى : " فمن تطوّع فهو خيرٌ له " } البقرة : 184 {.كما يقول الله تعالى : " ومن تطوع خيراً فإن الله شاكر عليم " } البقرة : 158 { . كما يقول الله تعالى أيضاً : " ولتكن منكم أُمه يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون " } ال عمران : 104{. فالتطوعية بمعنى فعل الخيرات والدخول في أنشطة إيجابية من جهة , ثم الإحجام عن فعل الشرور والأعمال السلبية من جهة أخرى أمر كامل الوضوح في صميم الإسلام . وفي ذلك يقول الله تعالى : "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر " } ال عمران : 110 { . ولقد ربط الإسلام التطوع بالإيمان وبقدر مساهمة الإنسان وعطائه وبذله ودرجة إيمانه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله علية وسلم : " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " متفق عليه .
ولا يستصغر الإسلام العمل التطوعي مهما كان ويدعو إلى بذل الجهد الطواعي مهما كان تقدير الإنسان له ففي ذلك يقول رسول الله صلى الله علية وسلم : "لاتحقرنّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق " رواه مسلم .
واعتبر الإسلام أن كل عمل تطوعي يقصد به وجه الله سبحانه وتعالى صدقة يأخذ عنها المسلم أجراً في الآخرة وفي ذلك يقول الرسول علية الصلاة والسلام : " كل معروف صدقة " رواه بخاري , وعن أبي ذر جندب بن جنادة رضي الله عنه قال : قلت : يارسول الله , أي الأعمال أفضل ؟ قال : "الإيمان بالله والجهاد في سبيله" قُلت : أي الرقاب أفضل ؟ قال ك "أنفسُها عند أهلها أكثرها ثمناً" , قال ك قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : "تُعين صانعاً أو تصنع لأخرق " قال : قلت : يارسول الله ,أرأيت إن ضَعُفت عن بعض العمل ؟ قال : "تكف شرّك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك " متفق علية .
ومن الواجبات اليومية التي لايجوز للمسلم أن ينساها أو يهملها واجبه نحو خدمة المجتمع ومساعدة أفراده على قضاء حوائجهم وتسهيل أمورهم ليكون بذلك صدقه . روى الشيخان عن أبي موسى عن النبي صلى الله علية وسلم قال : " على كل مسلم صدقة " قالوا : فإن لم يجد ؟ قال : " فيعمل بيديه فينفع نفسه ويتصدق " قالوا : فإن لم يفعل ؟ قال : " فيأمر بالخير – أو قال – بالمعروف " قالوا :فإن لم يفعل قال : "فيُمسِك عن الشر , فإنه له صدقة " متفق علية .
هذا التطوع للعمل الاجتماعي يعتبر صدقة أو ضريبة اجتماعية مفروضة على كل مسلم في كل يوم ,بل صح الحديث أنها واجبة على كل مفصل من مفاصلة أو منسم من مناسمه مع إشراقه كل شمس وبهذا يصبح المسلم ينبوعاً يفيض الخير والسلام لمن حوله و ماحوله. فالإنسان المسلم لابد وأن يتطوع وأن يساهم في رعاية مجتمعه وأن يؤدي لمجتمعه الضريبة الاجتماعية المفروضة عليه , وهي لاتسقط عن أي فرد في المجتمع الإسلامي سواء كان فقيراً أو غنياً , فالغني يبذل من ماله في سبيل الخير , والفقير يبذل من وقته ليحث الأغنياء على فعل الخير ويأمر بالمعروف ماوسعه الجهد ويعمل إن استطاع في كل لحظة للإصلاح بين الناس . وفي ذلك يقول الله تعالى : "لاخير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه اجراً عظيما " } النساء : 114 { . لذلك تقوم الرعاية الاجتماعية في الإسلام بدورها معتمدة على الجهود التطوعية في جزء كبير منها سواء كانت هذه الجهود فردية أم جماعية , مالية أم من خلال المشاركة بالجهد والعمل , ولايقتصر التطوع على مجال بعينه بل قد يكون فردياً صغير العائد أو جماعياً من خلال المشاركة في مجال من التنمية والرعاية والتي قد تشمل الإنسان والحيوان من خلال فعل الخيرات لكل المخلوقات .
سابعاً : الحسبة والرعاية الاجتماعية في الإسلام :
الحسبة واحدة من النظم الإسلامية الأساسية التي وضعها الشريعة الإسلامية وانفردت بتطبيقها الأمة الإسلامية . ولقد لعبت الحسبة دوراً كبيراً في حياة المجتمع الإسلامي عبر العصور , فقد وفّر هذا النظام الحياة السليمة القومية للمجتمع الإسلامي فإلى جانب نظم الرعاية الاجتماعية التي عاش في ظلها المسلم فقد وجد الفرد نظاماً آخر يرفع عنه الظلم ويحميه من الغش والتدليس من الناحية الاقتصادية , كذلك نظاماً يرفع ذوي النفوس المتردية وتوجيهها توجيها سليما لها نحو جادة الصواب بدلا من التخبط في دروب الكسب المحرم . ولقد عُرّفت الحسبة بتعريفات متعددة فلقد عرفها الماوردي بأنها : "أمر بالمعروف إذا ظهر تركه, ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله , وإصلاح بين الناس " .
كما عرفها الإمام ابن تيميه : هي " الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما ليس من اختصاص الولاة والقضاة والديوان ونحوهم " , كما عرفها ابن خلدون بقوله ك "أما الحسبة فهي وظيفة دينيه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو فرض على القائم بأمور المسلمين " .
من المؤكد أن الحسبة تعدت أصولها المثالية وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى واجبات عرضية تنفق والمصالح العامة للمسلمين. وتحت هذه الظروف نما المجتمع الإسلامي , وتطورت نظمه الاقتصادية وأوضاعه الاجتماعية واتسعت رقعته حتى أصبحت من أهم دعائم النظام الاقتصادي والاجتماعي في الدول الإسلامية , كما شهد بذلك المؤرخون .
نشأه الحسبة :
تضاربت أقوال المؤرخين في نشأة الحسبة فالبعض يقول : إن الرسول عليه الصلاة والسلام كان أول محتسب إذا نهى عن الغش حين قال : " من غشّنا فليس منّا " , وورد في صحيح مسلم : أن الرسول علية الصلاة والسلام مرّ على صبره طعام فأوصل يده بها فسالت أصابعه بللاً, فقال : " ماهذا ياصاحب الطعام " , فقال : أصابته السماء يارسول , قال : "افلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس . من غشنّا فليس منّا ". وتلي ذلك قيام عمر بن الخطاب في وضع نظام الحسبة بنفسه حيث كان يطوف الشوارع والأسواق ودرته معه فإن رأى غشاشاً خفقه بها مهما كان شأنه .
ويرى المؤرخون المحدثون والمستشرقون أن لفظ المحتسب لم يظهر في الخلافة الإسلامية إلا في العصر العباسي وفي عهد الخلفية المهدي بالذات. ومن استعراضنا لمفهوم الحسبة وتاريخها نرى أنها قامت منذ ظهور الإسلام بدور مراقبة ومتابعة تنفيذ أوامر الله وهدي رسوله فينا يختص برعاية شؤون الناس سواء كان ذلك من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , ولقد اتضح ذلك من خلال وظائف المحتسب التي ركزت على متابعة قيام النظم المختلفة في المجتمع لدورها بحيث تناولت النظم الاجتماعية والاقتصادية والصحية والدينية . فأعمال المحتسب كثيرة تشمل نواحي أدبية ودينيه وعمرانية وأخلاقية ولانجد في الوقت الحاضر موظفا حكومياً أو دائرة رسمية بها سلطة شبيهة المحتسب في بعض المجتمعات الإسلامية المعاصرة التي تركت هذا النظام الاجتماعي , فإنه يشبه رئيس البلدية أو مدير الإعاشة أو مدير الشرطة القضائية أو مدير الشؤون الاجتماعية وغير ذلك من الوظائف مع الفارق .
وظائف المحتسب :
وظيفة المحتسب فيما يتعلق بالمجال الديني : يمكن ذكر بعضها باختصار في الاهتمام بالمساجد وعمارتها ونظافتها , والمحافظة على الصلاة في جماعة والتعاون مع الإمام والمؤذن والواعظ , وكل الأمور التي تدعم القيم الدينية .
وظيفة المحتسب فيما يتعلق بالمجال الاقتصادي : نشأت وظيفة المحتسب في بداية أمرها متصلة بالجانب الديني , ثم بالمجال الاقتصادي خاصة الإشراف على المكاييل والموازيين , ثم ازدادت اختصاصاته لزيادة المشاكل الناجمة عن الصناعات والسوق , وكثرة أهل السوق وأثرهم في الحياة العامة في توجيه الأخلاق العامة , ولذلك فإن وظيفة المحتسب أخذت تدريجيا تتعدى مسؤولياتها إلى ضبط الأخلاق العامة والإشراف عليها . كما أن للمحتسب أن يراعي الوفرة والتقصير والأمانة والخيانة والجودة والرداءة , أما الوفرة فتنطبق على الأطباء والمعلمين فمن واجبه أن يتأكد من وجود هؤلاء خدمة للمجتمع .
وظيفة المحتسب فيما يتعلق بالمجال الاجتماعي : يمكن تحديد هذه الوظيفة في النص الذي أورده العلاّمة ابن خلدون بقولة : "يبحث عن المنكرات ويعزّر ويؤدب على قدرها ويحمل الناس على المصالح العامة في المدينة , مثل المنع من مضايقة في الطرقات , ومنع الحمالين وأهل السفن من الإكثار في الحمل , والحكم على أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها وإزالة ما يتوقع من ضررها على السابلة , والضرب على أيدي المعلمين في المكاتب وغيرها في الإبلاغ في ضربهم لصبيان المتعلمين " .
وظيفة المحتسب في المجال الصحي : اهتمت الحسبة بمراقبة ومتابعة القواعد الصحية التي تهدف إلى المحافظة على سلامة السكان ونظافة المدن وخططها وشوارعها والقيم الحالية فيها , فكان المحتسب يأمر بإزالة الطين من الأسواق والطرقات وشوارع المدينة إذا أكثر وإذا تراكمت الأزبال والأتربة ونحوها , وكان المحتسب يعين من يقوم بتنظيف الشوارع ويرشها كل يوم , وكذلك ينطبق على المرضى الذين يبيعون الأطعمة في السوق فهو يرى أن المحافظة على الصحة العامة تقضي منعهم من ذلك.ومن هذا العرض المختصر نرى المحتسب يعتبر بمثابة رقيب أو ممثل للسلطة التنفيذية في الرقابة على مدى الالتزام على قيام الأفراد والمنظمات المختلفة في المجال الديني والاجتماعي والاقتصادي والصحي .
حق الفرد في الرعاية الاجتماعية في الإسلام :
يراد بهذا الحق أن الفرد يجد ضماناً عاماّ من الدولة الإسلامية وهي تنظر إليه وتعرف مكانة وتحس بعجزه وحاجته وعجزه , وأساس هذا الحق أن المجتمع الإسلامي يقوم على أساس التعاون استجابة لأمر الله تعالى : " وتعاونوا على البر والتقوى ولاتعاونوا على الإثم والعدوان " } المائدة : 2 { .
ولكن قبل أن تقدم الدولة الدعم والرعاية فهي تنظر إلى أن هذا الحق يسبقه جملة تعليمات وحقوق جاءت بها الشريعة وهذه التنظيمات هي:
أولاً : الاكتفاء الذاتي للأفراد :-
الأصل أن الإنسان يكفي نفسه بأن يعمل ويكتسب ولا يسأل الناس حيث يقول الله تعالى : " فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " } الجمعة : 10 { , وعن أبي عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لأن يأخذ أحدكم أَحبُلة ثم يأتي الجبل ,فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها ,فكيف الله بها وجهه , خير له من أن يسأل الناس , أعطوه أو منعوه " رواه البخاري.
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : "ما أكل أحد طعاما قط خيراً من أن يأكل من عمل يده , وإن نبي الله داوود عليه السلام كلن يأكل من عمل يده " رواه البخاري . فالإسلام يدعو الناس إلى العمل والاجتهاد والتعفف وذم السؤال من غير ضرورة , حيث يقول الله تعالى : " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين " } هود : 6 { , كما يقول الله تعالى : " للفقراء الذين أُحصروا في سبيل الله لايستطيعون ضرباً في الأرض ويحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لايسئلون الناس إلحافا " } البقرة : 273 { . وعن حكيم ابن حزام رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "اليد العليا خير من اليد السُفلى , وإبدأ بمن تعُول وخير الصدقة عن ظهر غِنى , ومن يستعفف يعفه الله , ومن يستغن يغنه الله " متفق عليه. والإسلام لايحبذ بل ينفر الناس من الكسل وطلب الإحسان والشفقة من الآخرين بل يدعو إلى العمل والاجتهاد , فعن أبي عبد الرحمن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب رضي الله عنهم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لاتُلحفوا في المسألة , فوالله لايسألني أحد منكم شيئاً فتخرج له مسألته مني شيئاً وأنا له كاره , فيبارك له فيما أعطيته " رواه مسلم .
وعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من يكفل لي أن لايسأل الناس شيئاً , وأتكفل له بالجنة , فقلت : أنا فكان لايسأل أحداً شيئاً " رواه أبو داوود بإسناد صحيح . لذلك فإن سؤال الناس من يمثلهم وهي الدولة , غير مرغوب فيه مادام الإنسان قادراً على العمل والاكتساب .
ثانياً : في حالة تقدم الفرد بطلب المساعدة :-
عندما يتقدم الفرد بطلب للمساعدة لإحساسه باحتياجه إلى المعونة فإن الدولة لاتقدم المساعدة والرعاية دون دراسة لموقف الفرد وحالته لتقرير احتياجه للمساعدة ويمكن أن تتخذ من موقف الرسول – علية الصلاة والسلام – من أبي بشر قبيصة بن المخارق عندما تقدم بطلب المساعدة صوره لدراسة الحالة والأسس التي يجب أن تقوم عليها والأسس التي عليها تقرر المساعدة .
فعن أبي بشر قبيصة بي المخارق رضي الله عنه قال تحمّلت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال : " أٌقم حتّى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " قال : ثم قال : " ياقبيصة إن المسألة لاتحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمّل حمالة ,فحلت له المسألة حتى يصيبها قم يسمك , ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من عَيش – أو قال سداداً من عيش - , ورجل أصابتة فاقة حتى يقول ثلاثة ذوي الحجى من قوامه لقد أصابت فلانا فاقة فحلّت له المسألة حتى يصيب قواماً من العيش , أو قال سداداً من عيش , فما سواهن من المسألة ياقبيصة سُحتٌ يأكلها صاحبها سُحتاً " راوه مسلم . وتتطلب المساعدة لتقديم الخدمات الاجتماعية التأكد من المعلومات عن العميل حتى لايبني الحكم على اساس غير سليم ويتطلب الأمر دراسة جميع الجوانب المرتبطة بالموقف , فعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما انا بشر وإنكم تختصمون إلي , ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجتة من بعض , فأقضي له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بحق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار " متفق عليه. كذلك يتطلب دور الدولة السعي والبحث لدراسة الحالات التي تحتاج إلى المساعدة , الأمر الذي يتطلب من ممثلي الدولة الإسلامية الإيجابية في الدراسة والمساعدة والتقصي بالنسبة للحالات الاجتماعية لأفراد المجتمع , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول صلى الله عليه وسلم : " ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان , ولكن المسكين الذي لايجد غنى يغنيه و لايفطن له , فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس " متفق عليه.
ثالثاً : مساعدة الفرد على الاستفادة من قدراته للتغلب على مشكلته :-
روى أبو داوود عن أنس بن مالك رضي الله عنه : أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله , فقال : "أما في بيتك شئ ؟ " قال : "بلى حِلس نلبس بعضه ونبسط بعضه , وقعب نشرب فيه من الماء , قال : " ائتني بهما "قال : فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال : " من يشتري هذين ؟ " قال رجل أنا آخذهما بدرهم . قال : "من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثاً؟ " قال رجل : أنا أخذهما بدرهمين , فأعطاهما إياه , وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري , وقال : " اشتر بأحدهما طعاماً فانبذه إلى أهلك , واشتر بالآخر قدوماً فأتني به " فاتا هبه فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عوداً بيده ثم قال له : " اذهب فاحتطب وبع ,ولا أرينك خمسة عشر يوما " فذهب الرجل يحتطب ويبيع , فجاء وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما , فقال رسول الله صلى الله عليه السلام : "هذا خير لك من أن تجئ المسألة نكْتة في وجهك يوم القيامة , إن المسألة لاتصلح إلا لثلاثة , لذي فقر مدقع , أو لذي عزم مفظع , أ, لذي دم موجع " .متفق عليه. ومن هذه الحالة يمكن أن نخرج ببعض النقاط التي يقوم المنهج الإسلامي عليها في تقديم المساعدة الذاتية :
تقدم الفرد المتعطل الذي لديه فضل طاقه ولكن بلا عمل إلى الدولة أو إلى ولي الأمر بشكوى لتدبر له أمره .
وعندما تصل الشكوى إلى المسؤول , ينظر في مشكلته وتوضع الحلول المناسبة لها وهو في ضوء ذلك يضع الخطة السليمة بما يصون للفرد كرامته من خلال إنشاء مشروع استثماري يسلكه في صف العاملين الذين يأكلون مما عملته أيديهم .
الاستفادة من إمكانيات الفرد دون الاعتماد على الإحسان أو التبرع من الحاضرين لتغطية نفقات المشروع ,ولكن الاعتماد على أن يكون المشروع من رأس مال الفرد نفسه حتى لو كان خرقته التي يتغطى بها وإناءه الذي يشرب به .
مساهمة الدولة ممثلة في الرسول – عليه الصلاة والسلام – كذلك أفراد المجتمع المحلي طرفاً في المساعدة حين عرض على الناس السلعة ولم يتركها يعرضها هو فأعفاها من الإحراج , مع ملاحظة أن الرسول لم يفرض السلعة ولم يحدد الثمن ليكون البيع والشراء حراً الأمر الذي جعل مساهمة الناس غير مقيدة بالحياء بل مشروعا خالصاً من كل شبهه.
عندما توفر للرجل قدراً من المال ثمن مناعة لم تتركه الدولة بلا إرشاد ضمانا لنجاح المشروع أرشده الرسول – عليه الصلاة والسلام – أن يشتري بالنصف طعاما لعياله تأمينا لظهره حتى إذا انطلق في الأرض ساعياً كان زمناً , وكذلك طلب الرسول – عليه الصلاة والسلام – أن يشتري بالنصف الثاني فأساً هي أداته للعمل المثمر الشريف .
حيث أثبت الرجل صلاحيته للمعونة ساعدته الدولة بخشبة الفأس وضعها الرسول عليه الصلاة والسلام بيده الشريفة تقديراً له.
تحديد العمل المناسب والمكان الذي يمكن أن يمارس فيه هذا العمل وهو الاحتطاب حيث إن الرجل حديث عهد بالعمل في بيئة صحراوية.
وضع خطة لمتابعة العمل وإعطاء مهلة من الوقت لحداثة الرجل بالعمل وإعطاء مهلة خمسة عشر يوما حتى يتمرس بالتجربة في هذه الفترة .
في ضوء نتائج التجربة وضعت ميزانية للعامل تكفل سد حاجياته.
تحريم السؤال تحريماً قاطعاً دون استثناء إلا في حالات محددة ونادرة
رابعاً : تهيئة الدولة سبل كسب العيش للأفراد :
إذا كان العمل مشروعا في نظر الشرع والسؤال محظوراً والأصل هو السعي للكسب والاجتهاد في سبيل الرزق , كان من المسلم به أن تقوم الدولة الإسلامية بتسهيل سبل العمل والكسب للأفراد , وإيجاد العمل للمتعطلين وإيجاد المشاريع النافعة لتشغيل الأفراد وفي ذلك تقوم الدولة بإقراض الأفراد من بيت المال , وقد صرح بهذا الفقيه المعروف أبو يوسف صاحب أبي حنيفة فقال : " إن صاحب الأرض الخراجية إذا عجز عن زراعة أرضة لفقره , دفع إليه كفايتة من بيت المال قرضاً ليعمل ويستغل أرضه ".
خامساً : حق النفقة :-
ينبغي على الدولة أن تهيئ لكل فرد من أفرادها مستوى معين من الحياة تضمن له الضروريات الأساسية للحياة بأي وسيلة مشروعة , ولكن إذا لم يوجد عمل أو وجد وكان الفرد عاجزاً عنه وجب على الدولة أن تفرض النفقة على الأقارب الأغنياء , حيث يقول الله تعالى : " وفي أموالهم حق السائل والمحروم " } الذاريات :19 { .
وهذا الحق غير الزكاة الواردة في الآية الأخرى : " والذين في أموالهم حق معلوم ﬞ للسائل والمحروم " } المعارج : 24 و25 { . قال عبد الله بن عمرو الشعبي والحسن ومجاهد : " هو حق سوى الزكاة واجب في المال " , وقال أبو بكر الجصاص : "وفي المال حق سوى باتفاق المسلمين منه مايلزم من النفقة على والدية إذا كانا فقيرين وعلى ذوي أرحامه ومايلزم من إطعام المضطر وحمل المنقطع به , وماجرى ذلك من الحقوق اللازمة عندما يعرض من هذه الأحوال " . وهذا التضامن بين أفراد العائلة وسائر الأقارب لايقوم على فحص الرغبة في الإحسان بل يقدم على الوجوب والإلزام
سادساً : الزكاة :-
عندما لايستطيع الفرد العمل والاكتساب أو لايوجد مايكسب به ومنه , أو كان يعمل ولايفي دخله لضروريات الحياة وإذا لم يوجد من أقاربه من ينفق عليه , أمكن سد حاجته من أموال الزكاة التي هي حق للفقير في أموال الأغنياء والأصل أن الدولة هي التي تجبي الزكاة وتوصلها إلى المستحقين , ولايجوز صرفها لغير أهل الاستحقاق وللدولة أن تنظم جبايتها وتوزيعها بما يكفل إيصالها إلى الفقراء وسائر المستحقين , فالزكاة ضمان اجتماعي يضمن لكل فرد يعيش في المجتمع الإسلامي أيّا كانت ديانته وأيّا كانت جنسيته حد الكفاية لا حد الكفاف , بحيث إذا لم تسعفه ظروفه الخاصة كمرض أو شيخوخة أو تعطل عن العمل من تحقيق هذا المستوى اللائق للمعيشة والذي يختلف باختلاف ظروف الزمان والمكان , تكفلّت بذلك الدولة عن طريق صندوق الزكاة .
سابعاً : كفالة الدولة للأفراد من بيت المال :-
إذا لم تفِ الإجراءات والتنظيمات والحقوق المسابقة في سد حاجة المحتاج تدخلت الدولة وقامت بكفالة المحتاج لتضع مبدأ التعاون الواجب على أفراد المجتمع الإسلامي موضع التنفيذ , وقد نفّذ الرسول ذلك في حياته , قال علية الصلاة والسلام : " أنا أولى بكل مسلم من نفسه . من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ " , والمراد بالضياع الأسرة والذرية المعرضة للضياع لعدم الموارد وفقد العائل مما يدل على أن من لا مال لهم وذوي الحاجة والمدينين يجدون مايسد حاجتهم من بيت المال . وكفالة الدولة رعايتها الفقراء على المسلمين فقط بل تشمل غير المسلمين " الذميين " أيضاً ماداموا فقراء يستحقون العون , فقد روى أبو يوسف أن عمر بن الخطاب رأى شيخاً يهودياً كبير السن يسأل الناس فطلب من خازن بيت المال إعطائه وأشباهه مايغنيهم عن السؤال .
كذلك كتب خالد بن الوليد كتاباً لأهل الحيرة جاء فيه : " وجعلت لهم أي شيخ ضعيف عن العمل أو أصابته آفة من الآفات أو كان غنياً فافتقر , وصار أهل دينه يتصرفون عليه , طرحت جزيته وعيل من بيت مال المسلمين ما أقام بدار السلام". لذلك كان واجب الدولة كفالة الأفراد المحتاجين من بيت المال قدر حاجاتهم , ويقول في ذلك الإمام ابن تيمية : " والمحتاجون إذا لم تكفهم الزكاة أعطوا من بيت المال على وجه التقديم على غيرهم من وجوه الصرف على رأي " .
ولقد كان لسيدنا عمر بن الخطاب منهجاً في ذلك حدد فيه حقوق الأفراد في بيت المال فيقول : " فالرجل وبلاؤه والرجل وقدمه , والرجل وحاجاته.." وذلك في عام الرمادة حيث عم القحط وانحبس المطر فلقد كان سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضع الطعام للمحتاجين وينادي مادية : " من أحب أن يحضر طعاما فليأكل ومن أحب أن يأخذ مايكفيه وأهله فليأخذه ". ورعاية الدولة في الإسلام لمواطنيها لاتتوقف عند حدود إمكانياتها المالي إذا عجزت عن رعايتهم حتى تنتقل كفالتهم ورعايتهم إلى القادرين من أفراد المجتمع الإسلامي , ؟إذا المفروض أن صاحب الزائد عن حاجته عليه أن يقدمه لأخيه لقول الرسول - عليه الصلاة والسلام - : " من كان عنده فضل ظهر فليعج به على من لا ظهر له , ومن كان عنده فضل زاد فليعد بع على من لازاد له " رواه أحمد بن حنبل في مسنده , لذلك فرض الإسلام على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا برعاية فقرائهم ويجبرهم ولي الأمر على ذلك إذا لم تقم الزكاة بهم ولا في سائر أموال المسلمين بهم فيقدم لهم المأكل الضروري والملبس والمسكن .
مجالات الرعاية الاجتماعية في الإسلام
في هذا الجزء سوف نتناول باختصار بعض مظاهر ومجالات الرعاية الاجتماعية في الإسلام, وذلك ليس بغرض السرد التاريخي لتلك المظاهر وهذه المجالات ولكن لبيان الأسس التي قامت عليها هذه المجالات إسلامياً وتميزها عن غيرها من مظاهر الرعاية في الأديان الأخرى, وكذلك إظهار علاقتها بالخدمة الاجتماعية على أساس أن هذه الرعاية تمثل الجذور أو البذرة الأولى للخدمة الاجتماعية ولمجالات الممارسة في الخدمة الاجتماعية , لما احتوت عليه هذه المجالات من أسس علمية وتطبيق سليم خلال مرحلة طويلة من الزمن في مؤسسات متعددة ومتنوعة .
مع التأكيد أن هذه الرعاية في مجالاتها المختلفة شملت كل حياة الإنسان وكذلك امتدت إلى كافة أنحاء العالم الإسلامي من أصفهان إلى مراكش إلى الأندلس وقرطبة لفترة طويلة من الزمن استمرت ما يقرب من ألف عام . وفي متناولنا لمجالات الرعاية الاجتماعية في الإسلام سوف يكون التأكيد بالدرجة الأولى على ما يتصل برعاية الإنسان وخدمته أكثر من الرعاية المتخصصة مثل الرعاية الطبية أو التعليمية, ولكن الاهتمام في هذه الدراسة ينصب بالدرجة الأولى على أوجه الرعاية والخدمات التي تقدم للإنسان من خلال مجالات الرعاية الاجتماعية الإسلامية المختلفة .
أولاً : مجال الرعاية الاجتماعية للمرضى :-
يحظى المرضى في الإسلام برعاية اجتماعية كبيرة فلقد دعى الرسول – عليه الصلاة والسلام – المسلمين إلى التماس العلاج والتدواي , فقد روى النسائي وابن ماجه والحاكم وصححه عن أنس وابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء فتداووا " , كما روي عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لكل داء دواء فإذا أصاب دواء الداء برئ بإذن الله " رواه المسلم . كما حث الرسول – عليه الصلاة والسلام – على الاشتغال بالطب وإجادته حتى إنه روي عن الرسول – عليه الصلاة والسلام – أنه قال : " العلم علمان , علم الأديان وعلم الأبدان " . جاءت هذه الرعاية الطبية محصوبة بإقامة مؤسسات لمداواة المرضى وعلاجهم وهي التي أطلق عليها اسم بيمارستانات, البيمارستانات هي إحدى المنشاَت والعمائر كالمساجد والنكايات والقباب والمدارس التي كان شيدها الخلفاء والسلاطين والملوك والأمراء وأهل العموم صدقة وحسبة و خدمة للإنسانية وتخليداً لذكراهم ولم تكن مهمة هذه البيمارستانات قاصرة على مداواة المرضى بيمارستانات وهو فارسي معرب لا أصل له في لغة القران . ولا يتوقف الاهتمام برعاية المريض اجتماعياً على المؤسسات الطبية فقط, بل دعى الإسلام إلى مساهمة الأفراد في توفير الرعاية للمريض وجعل عيادة المريض سُنة وحق من حقوق المسلم على أخيه المسلم, وقد حث الإسلام على الاهتمام بهذا الحق والقيام به حتى يشعر المسلم عند مرضه بروح الأخوة من إخوانه تسري عنه وتخفف من آلامه وتعويضه ما حرمه من القوة والصحة , مما يبعث فيه الأمل في الله وفي رحمته وكرمه . وتدل الأحاديث على أن عيادة المريض فرض كفاية إذا قام بها البعض سقط عن الباقيين , ويلحق بعايدة المريض تعهده وتفقد أحواله والتلطف به وربما كان ذلك في العادة سبباً لعودة نشاطه وانتعاش قوته وسرعة شفائه . عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " حق المسلم على المسلم خمس, رد السلام, وعيادة المريض, وإتباع الجنائز, وإجابة الدعوة, وتشميت العاطس " متفق علية . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من عاد مريضا أو زار أخاً له في الله ناداه مناديان طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلاً " رواه الترمذي . وعن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عودوا المريض وأطعموا الجائع وفكوا العاني " رواه البخاري .
ثانياً : مجال رعاية طلاب العلم :-
اهتم الإسلام بالعلم ودعى المسلمين إلى السعي الحثيث في طلب العلم , كما أتاح الإسلام المناخ الفكري الحر الذي مكّن طلاب العلم من البحث والدراسة والتقصي , وأول آية من آيات الذكر الحكيم نزلت على الرسول - عليه الصلاة والسلام - كانت : " اقرأ باسم ربك الذي خلق " } العلق : 1 { كذلك رفع الله سبحانه وتعالى من قدر العلماء " يرفع الله الذين امنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله يما تعملون خبير " } المجادلة : 11 { . كذلك حث على الاستزادة من العلم : " وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " } الإسراء : 85 { . كذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " متفق عليه . كذلك في حديث آخر عن أبي هريرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهّل الله له طريقاً إلى الجنة " رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول – عليه الصلاة والسلام – قال : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً " رواه مسلم . وعنه أيضاً قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات ابن ادم انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية, أو علم ينتفع به, أو ولد صالح يدعو له" رواه مسلم .
وتنفيذا لهذه التعاليم السامية ابتدع الإسلام خلال عصور طويلة نظاماً يشجع على تعاليم والكتاتيب وظل هذا النظام متبعاً في مصر إلى عهد قريب. ولقد كان المسجد أعظم معاهد الثقافة لدراسة القران والحديث والفقه واللغة وغيرها من العلوم, وأصبح كثير من المساجد مراكز مهمة للحركة العلمية, وانصرف فقراء المسلمين لطلب العلم في المسجد النبوي الشريف حيث بنى الرسول صلى الله عليه وسلم مكاناً مظللاً في شمال المسجد يأوى إليه فقراء المسلمين الن حبسوا أنفسهم لطلب العلم . وعمرت المساجد الإسلامية بجلسات العلم وحلقات الدرس ورتب الخلفاء الرواتب والأرزاق للعلماء وطلاب العلم .وفي الأزهر كان الخلفاء والسلاطين والأمراء يشجعون الطلاب من وطنين وأجانب فيقدمون إليهم المأكل والمسكن وكل ما يوفر عليهم وسائل الراحة من غير أجر. كذلك كانت تقدم الرعاية لطلاب العلم غير القادرين والمعتكفين, فلقد أدرك خلفاء المسلمين الأوائل حاجة المعتكفين إلى هذه الانزواء فأنشأوا لهم مساكن ملحقة بالمسجد. ولم يكن هذا النشاط هو الشكل الوحيد من الرعاية الاجتماعية للطلاب في الأندلس, ولكن كان هناك نوعا اخر من النشاط يربط بين الناحية العلمية والاجتماعية وهو نظام الرحلات, فالرحلة سمة من سمات التعليم الإسلامي في العصور الوسطى وتتخلص في قيام الطلاب بالانتقال من مكان إلى آخر بحثا عن مزيد من العلوم ومن أفضل المعلمين المنتشرين في كافة البلاد العالم الإسلامي. من ذلك نرى تعدد أنواع الرعاية الاجتماعية لطلاب العلم في بلاد العالم الإسلامي خلال التاريخ الإسلامي مثل توفر الحياة الكريمة الآمنة للطالب, والحرص على توفير المأكل والمأوى والمشرب والملبس, وإقامة الاحتفالات في المناسبات الدينية والعلمية وإيجاد جو من العلاقة الاجتماعية العلمية بين الطلاب والمدرسين, وتنظيم الرحلات الاجتماعية العلمية مما يعبر عن شكل راق من أشكال الرعاية الاجتماعية للطلاب.
ثالثاً : مجال رعاية الفئات الخاصة :-
رعاية المسجونين :
المعروف في اللغة أن السجن هو الحبس وقد روي عن أبي هريرة أن الرسول عليه الصلاة والسلام حبس في تهمة, والحبس معناه تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه, وليس حجزه في مكان ضيق, وكان هذا الحبس الشرعي يتم في أول الأمر في بيت أو مسجد على أن يقوم الخصم أو وكيلة بملازمة الشخص المحتجز, ولهذا أسماه النبي صلى الله عليه وسلم أسيراً, واستمر الأمر على ذلك في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه , اذ لم يكن هناك محبس بعد لحبس الخصوم , ولكن حدث عندما اتسعت الدولة في عهد الخلفية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكثرت الرعية أن ظهرت الحاجة إلى مبنى قائم بذاته يستخدم سجناً, يحتجز فيه من يراد حبسه ولهذا الغرض ابتاع الخليفة من صفوان ابن أمية داراً بمكة بأربعة آلاف درهم, ولم يلبث أن تطور الأمر في عهد الخليفة معاوية ابن أبي سفيان, عندما ازداد خصوم الدولة وتعددت مشاكلها حتى قيل أنه أول من وضع السجن بمعناه المعروف وخصص الحراس لحراسة المسجونين.
ولقد عنى الإسلام برعاية السجين بتوفير الحياة الكريمة له داخل السجن وعدم التطرف في إيذائه, وانقسمت السجون في العصور الإسلامية الأولى إلى صنفين رئيسين هما :
أولاً : سجون الحقوق الدينية ويحبس فيها المحكومون بالديون المالية ونحوها.
ثانياً : سجون الحقوق الجزائية ويحبس فيها المحكومون بجرائم الاعتداء على الأبدان والأعراض ونحوها .
ولكل صنف من أصحاب المسجونين معاملة خاصة تتناسب مع نوع حبس, ولقد حرصت الشريعة على أن يمنع أصحاب الجرائم غير المتجانسة من الاختلاط ببعضهم مخافة انتقال العدوى. كما حرص الإسلام على رعاية المسجونين صحياً ومعاملة تتناسب مع ظروفهم وحالهم, فالمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حبس ثمامة في المسجد وكان عليلاً, فقال لأصحابه : " أحسنوا أساره " , كما أَوكل إلى بعض أصحابه القيام على حفظ امرأتين حبلتين من الزنا حتى تضعا حملهما, وكذلك كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتفقد السجون ويشاهد من فيها من المسجونين ويفحص أحوالهم, كذلك فإن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله يقول : " انظروا من في السجون وتعهدوا المرضى " . ولقد كان اهتمام المسلمين بصحة السجناء الشخصية ونظافة سجونهم وحرصهم على معالجة المرضى في السجون من الأمور الشائعة وكذلك أفرد الأطباء لعلاجهم وتم تخصيص الأموال للإنفاق على الأدوية والعلاج وغير ذلك من الاحتياجات الطبية والصحية .
وإذا كان الإسلام قد شجّع على الاستفادة من جهود المساجين في التعليم حتى لا يكونوا فريسة للجهل, فإنه شجعهم أيضاً على ذلك من طاقتهم في تعليم غيرهم وجعل ذلك سبيلاً إلى إنقاص مدة حبسهم والإفراج عنهم, روى أن ناساً من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام لهم فداءهم أن يعلموا عشرة من أولاد المسلمين الكتابة ففعلوا فكان من تعليم منهم زيد بن ثابت.
ولم يتوقف التعليم بالسجون على الكتابة والقراءة فقط بل تعدى ذلك إلى تعليم المسجونين الحرف والصناعات مما يحتاجها أهل البلد وليس من ذلك تشغيل السجين في الأمور التافهة الخشنة احتقار له وإهانة لشخصه, لقد اهتم المسلمون بتشغيل السجناء وبخاصة في عصور الحضارة الذهبية أيام العباسيين فكان المحبوسون يكلفون بالعمل في السجون لصنع السلال ونسج التكك وغيرها من الأعمال الخفيفة التي تحتاج إلى حذق وخبرة وأناة, ويعتبر هذا المبدأ أساس تأخذ به المؤسسات العقابية المعاصرة حيث يتم فيها تعلم السجين حرفة تؤمن له دخلا بعد خروجه من الحبس حيث تعود أثمان السلع لحساب السجناء لا لحساب الدولة.
ومن الأمور التي تميزت بها الرعاية الاجتماعية للمساجين في الإسلام التأكيد على العلاقات الأسرية وذلك بتمكين السجين من وطء زوجته في السجن إذا كان فيه موضع لا يطلع عليه أحد ولا يمنع وتحقيق الخلوة الشرعية, واستدلوا على ذلك بأنة غير ممنوع من قضاء شهوة البطن وكذلك شهوة الفرج, إذ لا موجب لسقوط حقه في الوطء , فالوطء من الحقوق الزوجية المشتركة والمقاصد الشرعية المعتبرة فضلاً عما في السماح به للسجين من المحافظة على صحته البدنية والنفسية بل أن منعة من ذلك قد يدفعه إلى الاستمناء أو الشذوذ الجنسي وهما من المحرمات .
علاوة على ذلك هناك صور متعددة لدعم العلاقات الاجتماعية في السجن مثل :
أ- إتاحة الفرصة للسجناء للاتصال بعضهم ببعض.
ب- حبس الأقارب مع بعضهم فلا يفرق السجن بين الأقارب كالأخوين.
جـ - خروج السجين لعيادة قريبة المريض وحضور جنازته.
د – التقاء الزوجين المحبوسين ببعضهما .
هـ - مساعدة المحبوس على توثيق صلته بأهله عن طريق إتاحة الفرصة لأقاربه وأصدقائه لزيارته.
و – إتاحة الفرصة للمحبوس بمراسلة أهله وإطلاعه على وسائل الإعلام.
ومن الأمور التي أعط منها الرعاية الاجتماعية للسجين أهمية كبيرة إعداد السجين للخروج من السجن, وذلك لرفع الروح المعنوية للسجين قبل الإفراج عنه بتوجيهه إلى النظر إلى المستقبل وإلى الحياة الجديدة وذلك عن طريق الدعاء له وتبشيره بالمغفرة والرحمة استدلالاً بنهي الرسول صلى الله علية وسلم أصحابه عن سب المعاقب وقوله لهم : "قولوا :اللهم اغفر له اللهم ارحمه " , ولايتوقف الأمر عند ذلك بل على الإسلام بمساعدة السجين على بدء حياة جديدة من خلال مساعدته عند خروجه من السجن عن طريق إعطائه كسوة ونفقة وإعانة على الوصول إلى أهله إن كان محتاجا إلى جميع ذلك مما يساعد المفرج عنه على الشعور باهتمام المجتمع به واكتسابه ثقة في نفسه, الأمر الذي يؤدي إلى سرعة اندماجه في الحياة العامة للمجتمع ولنا في تصرف الرسول – عليه الصلاة والسلام – مع ابنة حاتم عندما أفرج عنها من الحبس أمر لها بكساء وأعطاها نفقة وأمر لها بظهر يحملها إلى أهلها.
وقد ذكر الفقهاء أنه يندب تسلية المحبوس ومواساته وتهنئته بخروجه من الحبس وإذا كان كذلك فبذل المال له مواساة, وتشغيله مواساة, ورعايته اجتماعياً مواساة, والكف عن ذكر ماضيه الإجرامي مواساة.
رعاية المرضى المعاقين ( المجانين) :-
الأصل في الإنسان اتصافه بكمال الأهلية بأنواعها المختلفة سواء ما كان منها أهلية تكليف أو استحقاق أو وجوب أو أداء..إلخ, غير أن حكمة الله تعالى ورحمته بعباده اقتضت اختلاف النظرة إلى بعض الفئات فإما يكون الموقف منها هو الإعفاء المطلق من المسؤولية وهو ما نجده بالنسبة للأمراض العقلية التي تفقد التحكم الإرادي بصعوبة دائمة أو منقطع. وفي ذلك يقول الرسول – عليه الصلاة والسلام - : "رفع القلم عن ثلاث : منها المجنون حتى يفيق ", أما بالتخفيف عن المسؤولية وإيجاد الرخصة المبيحة أو المسقطة في بعض الأمور التي تجب على الآخرين تأصل التكلف وهو ما نجده في بقية المعوقين كل بحسب العائق ومداه, وكل من هذا الإعفاء وذلك التخفيف مبعثه الرحمة لا الحرمان وعدم الاعتبار .
ولقد حرّم الإسلام كل مايخل بتكريم الإنسان الذي جعله الله مكرما في آدميته وكان ذلك في النص القرآني صريحا " لايسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً مهم ولا نساءٌ من نساءِ عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تتنابزوا بالألقاب " > الحجرات : 11 { وحرم الإسلام الشماتة والسخرية من هؤلاء الأفراد بل دعى إلى التعاون معهم والاهتمام بأمورهم.
رعاية المسنين :-
اوجب الإسلام ضرورة الرعاية المسنين والاهتمام بهم, وفي ذلك الشأن يقول الله سبحانه وتعالى : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدها أو كلاهما فلا تقل لهما أفِ ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ﬞ واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيراً " } الإسراء : 23 , 24 { , كذلك دعا الرسول الكريم إلى العناية والاهتمام بكبار السن حيث تعددت الأحاديث التي تدعو إلى الاهتمام برعاية المسنين وبذل الوقت والجهد لمساعدتهم, فلقد روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا " وروى أبو داوود عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم, وحامل القران غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط "
وجعل الإسلام رعاية كبار السن خاصة الوالدين تعادل الجهاد في سبيل الله, فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : أقبل رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال : أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الأجر من الله تعالى, فقال : " فهل من والديك أحد حي؟ " قال : نعم بل كلاهما. قال : " فتبغي الأجر من الله تعالى؟ " قال : نعم . قال : "فارجع إلى والديك وأحسن صحبتهما " متفق عليه .
ولقد أكد الإسلام على إنزال كبار السن المنازل اللائقة بهم في كل الأمور, فقد روى أبو داوود عن ميمون بن أبي شبيب رحمه الله, أن عائشة رضي الله عنها مرّ بها سائل فأعطته كِسرة ( قطعة ) خبز ومرّ بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل فقيل لها في ذلك, فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أنزلوا الناس منازلهم ", وفي رواية : " أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم "
ومن رعاية الإسلام للمسنين الأخذ برأيهم ومشورتهم في الأمور المهمة وتقديمهم في المجالس والبدء بهم في الضيافة وتقديمهم في صلاة الجماعة وفي التحدث إلى الناس وفي التعامل. والتأكيد على عدم الاستخفاف بهم خاصة من الصغار, فلقد روي عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق, الشيبة في الإسلام, وذو العلم , وإمام مسقط ".
ومعرفة حق المتقدمين في السن ورعايتهم كان موضع التنفيذ في المجتمع الإسلامي الأول حكاماً وأفراداً وجماعات للمسلم وغير المسلم على السواء ويخدمونهم ويلتزمون برعايتهم والأخذ بأيديهم ولا يحوجونهم إلى العمل .
ولكن كان الحكام والولاة يفرضون للعجزة من المسنين رواتب من بيت المال إذا لم يكن هناك من ينفق عليهم فلقد أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه للشيخ اليهودي من بيت المال ما يكفيه ويسد حاجته حينما رأى أن ذلك الشيخ لا يستطيع العمل وليس له من يتكفل به, ولقد سبق ذلك قيام عمر بن الخطاب بفرض رواتب للشيوخ المسلمين .
وقد جاء في كتاب خالد بن الوليد إلى أهل الحيرة وجعلت لهم أيما شيخ ضعيف عن العمل إذا أصابته آفة من الآفات, إذا كان غنياً فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه طرحت جزئيته وعيل من بيت مال المسلمين وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام. وهذه الرعاية تعبّر ولاشك عن روعة الإسلام في تقريره ومسؤولية الدولة والمجتمع نحو هذه الفئة من الناس .
رابعاً : الرعاية الاجتماعية للعمال :-
العمل من أهم ما حث عليه الإسلام واعتبره من أهم وسائل الكسب, قال تعالى : " فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله " } الجمعة : 10 { . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يحب العبد المحترف ويكره العبد الباطل " ودعى إلى السعي والكد حيث يقول – عليه الصلاة والسلام - : "لأن يأخذ أحدكم حبله فيأتي بحزمه الحطب على ظهره فيبيعها, فيكف الله بها وجهه, خير له من أن يسأل الناس, أعطوه أو منعوه " رواه البخاري.
وحث الإسلام على العمل والكسب أنه لا يريد من الناس أن يكونوا عالة متعطلين يسألون الناس أعطوهم أو منعوهم, وهو الذي يجعل اليد العليا خير من اليد السفلى, ويعتبر أن الإنسان إذا احترف السؤال زاده الله فقراً حيث يقول عليه الصلاة والسلام : " وما فتح عبد باب مسألة إلا زاده الله بها فقراً " رواه بخاري.
كذلك روى ابن الجوزي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لقي قوماً لا يعلمون فقال : " ما أنتم؟ قالوا : متوكلون . فقال : كذبتم . إنما المتوكل رجل ألقى حبه في الأرض, ثم توكل على الله ", كما نهى الفقراء أن يقعدوا عن العمل اتكالاً على الصدقات فكان يقول فيه قولته : " يا معشر الفقراء استبقوا الخيرات ولا تكونوا عيالاً على المسلمين " . لقد أدرك الإسلام منذ البداية أن مشكلة الفقر لن يحلها الإحساس الفردي ولن تتداركها الإجراءات الإصلاحية التي تستهدف تسكين الآلام أو تخفيف الحرمان, بل لابد من حل جذري ومن هنا كانت نقطة البداية في الاقتصاد الإسلامي في البحث على العمل وإتقانه وزيادة الإنتاج ورفع التنمية الاقتصادية إلى مرتبة العبادة, ثم يأتي ما تقرره الدولة عن مؤسسة الزكاة وذلك إذا لم تمكنه ظروفه الخاصة من مرض أو شيخوخة أو تعطل عن العمل .
ولقد شملت رعاية الإسلام للعمال نواح متعددة فبعد أن أكدت على أهمية العمل والسعي على اكتساب الحلال وكراهية السؤال اهتم الإسلام بحماية العامل وإعطائه الأجر المناسب لعمله والذي يكافئ جهده الذي يبذل , قال تعالى : " ولا تبخسوا الناي أشيائهم " } الأعراف : 85 {, كما طلب ألا يرهق العامل بالعمل حيث يقول الله تعالى : " لا يكلف الله نفساً إلا وسعها " } البقرة : 286 { .
وقال الرسول – عليه الصلاة والسلام - : " ولا تكلفوا ما لا يطيقون " رواه مسلم . كما دعا الرسول - عليه الصلاة والسلام – إلى حماية العامل وراحته ويؤخذ ذلك من قوله عليه الصلاة والسلام : " إن لنفسك عليك حقاً " رواه البخاري . كذلك اهتم الإسلام برعاية الظروف المعيشية للعامل وتوفير الظروف الملائمة له حيث نرى الرسول – عليه الصلاة والسلام – يقول : " ومن ولى لنا عملا وليس له منزل فليتخذ منزلاً أو ليس له زوجة فليتزوج أو ليس له دابة فليتخذ دابة " وذلك لتحقيق كفاية العامل واستقراره, وليس معنى ذلك إلزام صاحب العمل بتوفير كل هذه الأمور للعامل ولكن يجب على الدولة أن تضمن للعامل هذا الحق إذا كان أجر العامل لا يكفيه ولا تتوقف الرعاية الاجتماعية للعامل على وجوده على قيد الحياة فقط, بل تمتد هذه الرعاية لتشمل أسرته بعد وفاته إذا كان العامل قد توفى ترك أسره ليس لها مورد أو دخل حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام : " من ترك مالاً فلورثته ومن ترك ضياعا ( أي ورثه لا مال لهم ) أو كَلاّ ( أي ذرية ضعيفة ). فليأتني فأنا مولاه "رواه البخاري. فهي رعاية تشمل العامل حال حياته وصحته وعند شيخوخته, فهي تضمن التأمين على العامل في الضعف والعجز والشيخوخة وعند الوفاة وترك الورثة الفقراء.
الأمر الذي يدل ليس فقط على الاهتمام بصحة العامل وعلاجه حتى يشفى, بل ومتابعة علاجه فتقدم العون المالي الذي يمكنه من النقاهة وعدم اللجوء إلى العمل مباشرة بعد خروجه من المستشفى مما قد يؤدي إلى انتكاسه وعودة المرض إليه ثانيةً.
ولقد راعى الإسلام العامل وحماه من جشع صاحب العمل, فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والقسامة " قالوا : ومالقسامة؟ قال : " الرجل يكون على طائفة من الناس فيأخذ من حظ هذا وحظ هذا", كذلك حماية العامل من مماطلة أصحاب العمل من دفع الأجور ففي الحديث : " مطل الغني ظلم " رواه الشيخان .
ومن أشكال الرعاية الإسلامية للعمال مساعدة الشباب والفتيات على الزواج إذا كانت ظروفهم المادية ضعيفة فلقد أوقفت الأوقاف الإسلامية لمساعدة الشباب والفتيات على الزواج من خلال منسجهما الإعانة المناسبة سواء كانت مالية أو عينية, والتقاليد الإسلامية تدعو إلى هذا منذ القِدم, ومن الأوقاف الإسلامية ما هو محبوس على تجهيز الفتيات من القدرة لأهلهن على تجهيزهن . وكان عمر بن عبد العزيز في كل يوم يعتبر الحاجة إلى الزواج في صف حاجة المدين المضطر المحتاج إلى أداء دينه وفي صف حاجة المسكين وحاجة اليتيم إن لم يكن يقدم عليهما, الأمر الذي يدل على مدى الاهتمام برعاية العمال بعامة والشباب بخاصة والحرص على توفير سبل الحياة الكريمة الشريفة لهم بما لا يؤدي إلى الانحراف .